بعد مرور 42 عاماً على انطلاقة مشروع الوحدة بين الحوزة العلمية والجامعة، المشروع الذي انبثق من فكرة التنسيق والتعاون المستمر بين النخب الحوزوية والجامعية لخدمة الشعب والمجتمع الإسلامي، يطرح هذا التساؤل نفسه: إلى أي مدى كان هذا المشروع موفقاً في تحقيق أهدافه؟ وما هي العوائق والصعوبات التي يواجهها؟ وما هي آليات وأساليب تطبيق الفكرة على أرض الواقع؟
للإستفسار حول هذه المواضيع وغيرها، وبمناسبة يوم الوحدة بين الحوزة العلمية والجامعة، أجرت وكالة الأنباء القرآنية “ايكنا” حواراً مع السيد أبو الحسن نواب، رئيس جامعة الأديان والمذهب.
وفيما يلي نص الحوار:
ايكنا: نرحب بكم سماحة السيد في هذا الحوار بمناسبة يوم الوحدة بين الحوزة العلمية والجامعة. في البداية، لو تفضلتم ببيان معنى ومفهوم الوحدة بين الحوزة العلمية والجامعة.
السيد نواب: أعتقد أن عبارة “الوحدة بين الحوزة والجامعة” عبارة غير دقيقة، فلو أردنا فهم ذلك بمعنى الوحدة الحقيقية والواقعية، فهذا أمر غير ممكن تقريباً. أما لو أخذنا بالإعتبار المفهوم الفلسفي، فيجب أن نأخذ بالإعتبار أيضاً المفاهيم المترادفة التي يمكن إيجاد الوحدة والجمع بينها. وعلى هذا الأساس أعتقد أن إستخدام مصطلح الوحدة هنا استخدام مجازي أو شبه مجازي، فلا معنى للوحدة بين الحوزة والجامعة. أعتقد أن أفضل تعبير يمكن استخدامه هو عبارة “التعاون والتنسيق” بين المؤسستين العلمية والدينية.
لقد تم خلال الفترات الماضية الكثير من النشاطات في مجال التعاون بين الحوزة والجامعة، والتي أثمرت عن الكثير من الإنجازات، وبالطبع هناك بعض الإشكاليات والعوائق أيضاً. فعلى سبيل المثال فإن الجامعة هي مؤسسة أوجدها الغربيون بالإعتماد على أسس العلمانية، بينما الحوزة مبتنية على أسس العلوم الإلهية، ويجب أن نعلم أنه ليس بالإمكان أبداً الجمع بين العلوم العلمانية والعلوم الإلهية.
في العصور الماضية، كانت الدراسات في الحوزات الدينية تشتمل على سبيل المثال العلوم الطبية، كما في زمن بوعلي سينا ونصير الدين الطوسي، أما الآن فليس الأمر كذلك، فلا توجد دراسات في الحوزة في مجال الطب أو الهندسة أو ما شابه ذلك، وعلى هذا الأساس فلا معنى للوحدة في تلك الحوزة.
وبناءاً على ذلك، يجب أن تحصل الوحدة بين الحوزة والجامعة في الوقت الحاضر بين العلوم الإنسانية في الجامعة والعلوم الحوزوية. ولكن هذا لا يمكن تحقيقه، لأن هناك أسلوبين متغايرين في التعليم بين المؤسستين، إلا أنه وخلال الـ 40 سنة الماضية، تم تحقيق تقدم وإنجازات مهمة في هذا المسار، بحيث من الممكن الآن تقديم نموذج للعراق، كدولة ذات حوزة علمية وجامعات، لكن أعود وأقول إن مجال الفكر الجامعي يختلف عن مجال الفكر الحوزوي.
إيكنا: باعتباركم كشخصية كانت لكم نشاطات على مدى سنوات متمادية في المجالين الحوزوي والجامعي، ما المقصود إذن بالوحدة بين الحوزة والجامعة؟
السيد نواب: كما قلت، لا معنى للوحدة الحقيقية والواقعية بين هاتين المؤسستين، لأن هذه الوحدة هي كموضوع الوحدة بين الشيعة والسنة. نحن نجد أيضاً أن هذا المصطلح لا يستخدم في مجال العلاقة بين المسلمين الشيعة والسنة، بل نستخدم مصطلح “التقريب والتعايش السلمي والتواصل بين المسلمين الشيعة والسنة”.
نحن لا نقول أن كل الأمور تندمج في شيء واحد، بل يجب أن تبقى هاتان المؤسستان على طبيعتهما وتمارسان أنشطتهما المختلفة بحسب أهدافهما وتطلعاتهما، بل نقول بأنه يجب أن يحصل بينهما المزيد من التعاون والتواصل والتنسيق.
نحن نقول أن الحوزة العلمية والجامعة هما جناحان لتربية النخب العلمية وتأهيلهم لبناء المستقبل وحل مشاكل المجتمع. ولو أراد هاتان المؤسستان حل مشاكل المجتمع فيجب عليها السعي للمزيد من التنسيق والتعاون. هناك الكثير من النجاحات التي تم تحقيقها لحد الآن، لكن الوصول إلى الهدف المنشود ما زال بحاجة للمزيد من الجهد والمثابرة.
إيكنا: ما هي أساليب التعاون بين المؤسستين؟
السيد نواب: في البداية يجب علينا، سواء في الحوزة أو الجامعة، تربية وتأهيل جيل يكون هدفه الوحيد هو خدمة الشعب.
إن الكثير من القضايا الهامة والتحديات التي تواجه الشعب، تنشأ بالأساس من نتاجات هاتين المؤسستين، أي أن الحوزة والجامعة مسؤولتان، ولا بد أن يكونا على قدر المسؤولية.
يجب أن يكون الهدف الأول للحوزويين والجامعيين هو حل مشاكل المجتمع، وإصلاح شؤونه، والإصلاح يشمل أربعة أبعاد هي البعد الأخلاقي، والبعد السياسي، والبعد الثقافي، والبعد الإجتماعي. وهنا لا بد أن نؤكد على أهمية دور الحوزة العلمية في إشاعة روح التفاهم والتعايش والتسامح في صفوف الجامعيين وفي المجتمع بشكل عام، وهذا ما لا نشاهده اليوم.
ايكنا: لماذا لم تنجح الحوزة في نقل المفاهيم المعنوية إلى الجامعة؟
السيد نواب: أعتقد أن هناك تقصير من أحد الجانبين أو من كلاهما. نحن لا نسعى للوحدة الصورية بين المؤسستين، بل هدفنا هو الوحدة المعنوية. بمعنى نقل المبادئ والقيم الأخلاقية والمعنوية، والتي هي القضية الأساسية في الحوزات العلمية، إلى الجامعة، وهذا ما لم يتحقق للأسف لحد الآن.
إيكنا: هل هناك أفكار وخطط لتدويل الوحدة أو التعاون والتنسيق بين المؤسستين؟
السيد نواب: لا يمكن فرض أي نموذج أو ثقافة على الآخرين. بل يجب في البداية العمل على تطوير وإرتقاء الفكرة من الأساس، إلى أن تصل لمستوى تتمتع فيه بالجاذبية اللازمة لاستقطاب الآخرين والإحتذاء بها كنموذج يقتدى به.
ايكنا: برأيكم في أية حالة يمكن تحقيق الوحدة بين الحوزة والجامعة؟
السيد نواب: الوحدة بين الحوزة والجامعة يمكن تحقيقها فيما إذا كان هدف المؤسستين هدفاً واحداً. بمعنى أن يكون هدف الحوزة والجامعة هو خدمة الشعب والمجتمع، حينئذ تتحقق الوحدة في تحقيق الهدف نفسه أو في الطريق إلى الهدف. نحن نتطلع إلى هدف واحد، وهو خدمة الشعب، وأمامنا طريق واحد، هو المسير إلى الهدف، ولو تحقق ذلك، تحققت الوحدة، وما عدا ذلك فهي وحدة صورية لا تسمن ولا تغني من جوع.
ايكنا: ما هي أهم العوائق التي تحول دون تحقيق فكرة الوحدة بين الحوزة العلمية والجامعة؟
السيد نواب: بصريح العبارة، عدم الإحساس بالمسؤولية والوظائف والواجبات الملقاة على عاتقنا تجاه المجتمع والشعب، سواء في الحوزة أو الجامعة. ولا أقصد هنا التقليل من شأن الإنجازات التي تم تحقيقها سواء في الحوزة أو الجامعة، فلا شك هناك الكثير من النجاحات في الكثير من المجالات، لكن وللأسف لم يرتق ذلك كله إلى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتق المؤسستين إزاء المجتمع والشعب.
هناك العديد من العلماء والشخصيات الدينية البارزة ممن بذلوا جهوداً حثيثة على هذا الصعيد في أوائل انتصار الثورة الإسلامية، من أمثال الشهيد مطهري، والشهيد مفتح، والشهيد باهنر، والشهيد موسوي، والشهيد بهشتي، وفي الوقت الحاضر أيضاً هناك الكثير من الجهود المبذولة في هذا السياق من جانب الشخصيات العلمية والحوزوية، ولكن كل ذلك لم يرتق إلى مستوى الأهداف المتوخاة.
متى إذن يمكن القول إننا حققنا الأهداف المتوخاة؟ سيكون ذلك حينما تأتي لإجراء لقاء معي وأقول لك إن الوحدة بين الحوزة والجامعة، والتعاون الممتاز بين طلاب الحوزة العلمية والجامعيين، سواء في الجانب النظري أو العملي، قد بلغ مرحلة لا يشعر معها أحد بالأمية، والتشرد، ويعيش المجتمع نموذجاً ملموساً للتآلف والتكاتف والتعاون والإحترام المتبادل، حينها يمكن القول إن هاتين المؤسستين قد تحملا مسؤولياتهما وقاما بأداء وظائفهما على أتم وجه.